أزمة الهوية الثقافية العربية
تمر الثقافة والهوية الثقافية العربية بتحديات كبرى ترتقي إلى وجود أزمة في هوية الإنسان العربي الثقافية. ويمكن القول بأن التأثيرات الثقافية للتحديث الاقتصادي وارتفاع مستوى التعليم والتقدم التكنولوجي قوية جداً ومؤثرة. وربما أن هذا الجانب هو الأكثر إثارة للجدل والخلاف بين العديد من المفكرين العرب إلى درجة أنه أصبح عنصراً خلافياً في أسباب موجة المد الديني الحاصلة. لقد اتضح بأن موجة المد الديني التي تجتاح عدداً من الدول العربية أصبحت مصدراً للاضطراب والتشتت الذي يتم التسبب فيه بسبب إقدام من وصلوا إلى السلطة من الإسلاميين حالياً على فرض الدين على المجتمع كأيديولوجيا سياسية يتحتم على الجميع الأخذ بها اعتقاداً منهم بأنها ستؤدي إلى تغيير الأوضاع إلى واقع مثالي يتواجد في مخيلتهم.
إن واحداً من محتويات مشكلة الهوية الثقافية هو التحضر، فعملية التحضر المبالغ في تسريعها للمدن العربية التي يتم حقنها بالطاقات البشرية الآتية من الهجرة، أدت إلى خلخلة التضامن التقليدي. فثقافياً البشر الذين يكونون مهيأين للاستجابة إلى نداءات موجة المد الديني يكون من ضمنهم النازحون الذين يقفون على هامش المجتمع الريفي أو الصحراوي قبل أن يتم تجنيدهم من قبل الجماعات المتطرفة، وأولئك الذين يسعون إلى إحلال روابط القربى واستبدالها بروابط اجتماعية جديدة. وبالتأكيد أن هؤلاء يمكن أن يطلق عليهم مسمى حضر، لكنهم في واقع أصولهم لا ينتمون إلى المناطق الحضرية. إن هذه الخلخلة تسهم في مناخ جاهز للاستقطاب الأيديولوجي الديني.
والمحتوى الهام الآخر للمشكلة هو الإهمال والتغريب الذين تمر به الثقافة العربية، وهو إهمال ناتج عن انهيار نظم القيم السائدة في المجتمع والتفاعلات غير المتسقة للفئات والجماعات ينشأ من انهيار التقاليد السائدة ومن الأعباء الواقعة على نظم غير ملائمة ثقافياً لتوجهات المجتمع. ومن أهم أوجه عدم الاتساق وجود مشكلة تصادم بين التطرف الذي تنتهجه جماعات من عامة الناس وبين النخب التي تنتهج مناهج وسطية لا غلو فيها. فالجماعات المتطرفة تنادي بفكرة انبعاث جديدة للدين كقوة أيديولوجية. وهنا ينشأ تضاد فكري تحاول النخب الحد منه وترى بأن الدين يمكن أن يكون طريقة لتبني الحداثة عن طريق تسهيل ربط الحداثة بالحقائق الثقافية للمجتمع، والوسطية بين القديم والحديث، والحد من الإقصاء الذي يمارسه المتطرفون.
إن موجة المد الديني الحالية ليست بظاهرة عابرة، لكنها ظاهرة تتم إثارتها وتحفيزها من قبل أنماط معقدة من العلاقات. وبسبب مشكلة الخوف على الهوية الثقافية من التأثيرات الخارجية القوية يتم استدعاء الدين لكي يستجيب إلى حاجات الشعوب العربية ليس على المستوى الشخصي فقط، لكن عبر المجال الثقافي للمجتمع كافة. ومع وجود هذه الحقيقة فإن من المناسب مراجعة العلاقات المتداخلة بين الدين والوطنية والتحديث. ومن المناسب أيضاً التطرق للاستقرار السياسي كحالات مميزة تجعل من الدول العربية التي وقعت فيها الثورات مؤخراً ذات طبيعة خاصة بها وحدها. وبالحديث عن مظاهر الثقافة والدين والوطنية والتحديث تعتبر مراجعة واقع بعض الدول العربية خطوة هامة لمعرفة ما يحدث ثقافياً على صعيد المنطقة سواء وقعت ثورات في تلك الدول أم لم تقع.